
ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا
ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا.. اجتماع مباشر حصل ومذكرة تفاهم تُحضّر: بمَ يرتبط التقدم؟
منذ سقوط نظام الاسد، اتجهت الانظار أولا الى المعتقلات، وفي لبنان، الى المفقودين والمخفيين. ملف طال عمره، من دون أن تكون الحلول حتى الآن موجودة.
وفي سياق هذا الموضوع أسئلة عديدة، منها عن المسار الحالي في سياق الاتصالات اللبنانية السورية الأخيرة، ومنها عن التقدم المحرز والتحديات الجوهرية التي تعترض الحلول.
منذ سقوط نظام الاسد، اتجهت الانظار أولا الى المعتقلات، وفي لبنان، الى المفقودين والمخفيين. ملف طال عمره، من دون أن تكون الحلول حتى الآن موجودة.
وفي سياق هذا الموضوع أسئلة عديدة، منها عن المسار الحالي في سياق الاتصالات اللبنانية السورية الأخيرة، ومنها عن التقدم المحرز والتحديات الجوهرية التي تعترض الحلول.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيّين قسراً بالانابة الدكتور زياد عاشور في حديث لـvdlnews الى أن "ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا هو ملف أعيد وضعه في الواجهة وضمن الاولويات بالنسبة الى قضية المفقودين اللبنانيين بشكل عام".
وأشار الى أن "ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا هو رأس جبل الجليد، بالنسبة الى قضية المفقودين اللبنانيين بشكل عام، والذي طاف على السطح مع سقوط نظام الاسد، إلا أن القسم السفلي لجبل الجليد موجود في لبنان لأن الذين فُقِدوا في لبنان يشكلون العدد الاكبر، حيث إنه يتم التداول أن هناك حوالي 17 ألف مفقود في لبنان بعد انتهاء الحرب الاهلية من ضمنهم المفقودين اللبنانيين في سوريا".
وشرح عاشور أن "ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا يعد من ضمن ولاية الهيئة الوطنية حكمًا، والتطورات السياسية التي حصلت في لبنان والمنطقة وخاصة في سوريا مع سقوط النظام السابق، أعادت وضع هذا الملف ضمن الاولويات، والهيئة الوطنية في نهاية ولايتها الحالية تعاملت مع هذا الموضوع بجدية ومهنية عالية ورصانة مطلقة ابتداءً من سقوط نظام الاسد حتى اليوم".
اجتماع مباشر ومذكرة تفاهم قيد العمل
لفت عاشور في حديثه لـvdlnews الى أنه "منذ بداية خروج المعتقلين من السجون السورية، توجهت الانظار الى الهيئة الوطنية سواءً من قبل أهالي المفقودين اللبنانيين أو من قبل بعض الجهات الرسمية وجهات المجتمع المدني".
وأضاف: "حاولت الهيئة بدورها في ذلك الحين أن تتواصل مع السلطة التي كانت قيد التبلور في سوريا آنذاك، مع الإصرار المطلق من قبلها على أن يكون التواصل من خلال القنوات الرسمية اللبنانية، كون الهيئة الوطنية هي الجهة الرسمية اللبنانية ذات الولاية والاختصاص للتواصل مع الجهات الرسمية المختصة بشكل مستقل عن الحكومة اللبنانية، وبالتالي حيث إن مقاربة هذا الملف الانساني من خلال التواصل مع الجهات السورية ينبغي أن يكون مع جهة رسمية لبنانية، هي الهيئة الوطنية، عبر قنوات رسمية لبنانية مع المحافظة على استقلالية الهيئة وبياناتها".
وأشار الى أنه "كان هناك عدة محاولات للتواصل عبر وسطاء من قبل، الى أن حصل اجتماع مباشر ومغلق بين الهيئة الوطنية للمفقودين في لبنان والهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا في 1 الشهر الجاري (أي تشرين الاول 2025) في مقر مجلس الوزراء (المتحف)، وهو من ضمن مجموعة من الاجتماعات التي حصلت بين الجانبين الرسميين اللبناني والسوري".
وكشف عاشور أنه "جرى خلال الاجتماع مناقشة الامور المتداخلة والمصالح المشتركة بين البلدين، كما تم التأكيد على ضرورة المحافظة على استقلالية الهيئة بإدارة ملف المفقودين وعدم ربط ملف المفقودين بأي ملف آخر عالق أو أي مصلحة أخرى عالقة بين لبنان وسوريا على المستوى الحكومي".
وأكد أنه خلال التحضير والتواصل السابق لهذا الاجتماع مع الجهات الحكومية اللبنانية "كان هناك تفهم من قبل الوزراء والمعنيين في الحكومة اللبنانية للولاية الانسانية للهيئة الوطنية للمفقودين ودقة ملف المفقودين وتأكيد على دور الهيئة الوطنية في قيادة هذا الملف مع الجهات الرسمية السورية المتخصصة في هذا المجال من دون أي وساطة على المستوى التقني فيما الوساطة على المستوى السياسي العام تعود الى الحكومة أو وزارة الخارجية بشكل أساسي".
وعن التقدم المحرز على صعيد ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا، شدد عاشور في حديثه لـvdlnews على أن "التقدم الاول هو التواصل المباشر على أساس المقاربة التي ينص عليها القانون الذي يحافظ على دور الهيئة ومرجعيتها، ذلك أنه حصل توافق خلال اجتماع الأول من تشرين الأول على توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة الوطنية اللبنانية للمفقودين والمخفيين قسرًا والهيئة الوطنية السورية للمفقودين".
وتابع: "نحن حاليًا في مرحلة تبادل المسودات والتفاوض على وضع مذكرة التفاهم هذه التي على أساسها سوف يتم العمل مستقبلًا في قضية المفقودين اللبنانيين في سوريا، وكذلك الامر هناك مفقودون سوريون في لبنان، وبالتالي هناك تقاطع بالمصلحة بين الهيئتين اللبنانية والسورية في ما يتعلق بهذا الملف، حيث إن الموضوع متداخل".
مصالح مشتركة.. وضوابط
أكد عاشور أن "التواصل مع الهيئة الوطنية السورية يتم انطلاقًا من تقاطع المصالح المتمثلة بالبحث عن مفقودي الطرفين في كل من البلدين".
وشدد على أن "هناك حرصًا على أن يكون التواصل محصنًا في قضية المفقودين بين جهتين مكلفتين بهذا الملف بالبعد الانساني فقط".
وعن أهمية مذكرة التفاهم التي يُعمَل على إعدادها من أجل توقيعها في ما بعد، شرح عاشور أن "هذه الأخيرة تؤسس لإطار من التعاون بين المرجعية المتخصصة بقضية المفقودين في لبنان والجهة السورية ضمن ضوابط وقواعد تراعي القانون، لا سيما المادة 26 منه، الذي يحدد ولاية الهيئة الوطنية اللبنانية".
وأوضح أن "هذه الضوابط تتعلق باستقلالية الهيئة ومرجعيتها والحصانة الخاصة لهذا الملف الانساني بعدم تداخل مصالح سياسية أخرى للحكومتين أو الدولتين معه، فيما النقطة الاهم تتمثل بالحصول على ضمانات بالمحافظة على البيانات الشخصية للمفقودين وحمايتها وعدم استخدامها بأي سياق آخر غير الكشف عن مصير المفقود، حيث إن الهيئة الوطنية مؤتمنة على هذه البيانات".
وكشف عاشور عن أنه "لم يتم مشاركة أي لوائح أو بيانات من قبل الهيئة الوطنية اللبنانية خلال اجتماع الأول من تشرين الأول، حيث إن الاجتماع تركز على تعارف الهيئتين وشرح القانون الذي يرعى عمل الهيئة اللبنانية، والفكرة الاساسية التي طرحت هي توقيع مذكرة تفاهم قبل أي عمل آخر".
وشدد على أن "الهيئة الوطنية لا تشارك البيانات التي بحوزتها الا وفقا للثوابت والقواعد التي ترعى حماية وتحليل البيانات الشخصية للمفقودين التي تبنتها الهيئة في أنظمتها، التي بدروها يجب أن تكون مرجعية موثقة ومؤكدة ضمن مذكرة تفاهم يوقعها الطرفين".
ملف يحمل توازنات
عن كيفية ضمان عدم ارتباط هذا الملف بمواضيع أخرى لا تزال عالقة وأبرزها ملف المساجين السوريين في لبنان، أكد عاشور أن "الهيئة الوطنية أكدت لكل المسؤولين الرسميين التي تواصلت معهم، ومنهم نائب رئيس الحكومة طارق متري ووزير العدل عادل نصار ووزير الخارجية يوسف رجي، أن مبدأ استقلالية ملف المفقودين يشكل إحدى الثوابت الاساسية، فلا يجوز قانونًا أن يُربط ملف المفقودين بأي ملف آخر سواء ملف السجناء السوريين في لبنان أو ملف الحدود أو اللاجئين أو أي ملف آخر، ولقد لمست الهيئة لدى هؤلاء المسؤولين الحكوميين تفهماً وتجاوباً".
وأعاد عاشور سبب التمسك باستقلالية الملف الى "سمو قضية المفقودين ككل الملفات الاخرى، والمظلومية التي تعرض لها هذا الملف، بالاضافة الى أن هذا الاخير يحمل بذاته توازنات انطلاقًا من توافر المصالح المشتركة التي تتمثل بالكشف عن مصير المفقودين في البلدين وتقاطع الولاية القانونية لكلتا الهيئتين".
خطورة.. وأرضية متينة
وشرح أن "خطورة ربط الملفات تكمن في إمكانية تداول البيانات مع جهات قضائية أو أمنية في البلدين وهو ما يعد مخالفًا لأحكام القانون وللبعد الانساني للقضية، كما أنه في حال تعثر المفاوضات بأي قضية عالقة فسوف ينعكس هذا التعثر سلباً على ملف المفقودين".
وأضاف: "حضّرنا كهيئة وطنية للمفقودين في لبنان أرضية متينة من خلال شراكة متكافئة مع البعثة الدولية للصليب الاحمر كما اللجنة الدولية لشؤون المفقودين والمؤسسة الدولية للمفقودين التي وقعنا مذكرة تفاهم معها، وبالتالي هذه المروحة من الشراكة الى جانب الهيئة الوطنية السورية سوف تشكل ضمانة وحصانة لاستقلالية الهيئة في مقاربة هذا الملف".
أداء حكومي إيجابي حتى الآن
لدى سؤاله عما اذا كان هناك تفاؤل عمليًا ببقاء قضية المفقودين محصنة من الاستخدام السياسي بما يدعم ويعزز استقلالية الهيئة، قال عاشور: "المؤشرات حتى الآن تدعو للتفاؤل وذلك انطلاقًا من السياق السياسي الموجود اليوم في لبنان والتواصل الحاصل مع الجهات الحكومية في لبنان، حيث إن هذه الأخيرة تقف على ضرورة الحفاظ على استقلالية الهيئة الوطنية للمفقودين وتقدر أهمية عدم ربط هذا الملف بملفات أخرى".
وتابع: "يجب أن نكون حذرين أيضًا إزاء هذا التفاؤل، حيث يجب أن يبقى المجتمع لا سيما أهالي المفقودين والمجتمع المدني حذرين ويقومون بدورهم الطبيعي المتمثل برصد ومراقبة أداء الحكومة، الذي يمكن أن يُصنَّف حتى الآن بالإيجابي".
خطى بطيئة ولكن ثابتة.. وعوامل مؤثرة على التقدم المحرز
عما اذا كان الحل في ملف المفقودين قريبًا، أكد عاشور في حديثه لـvdlnews أنه "في ملف المفقودين بشكل عام، ومنذ صدور القانون في العام 2018 وتشكيل الهيئة في العام 2020، نحن نسير بخطى بطيئة ولكن ثابتة، من هنا مسألة التقدم بهذا الملف بسرعة هو رهن مجموعة من العوامل على مستوى المحلي كما الخارجي".
وشرح أنه "على المستوى المحلي، التقدم بملف المفقودين هو رهن توفر القرار السياسي الحكومي اللبناني بتقديم الدعم للهيئة الوطنية إن كان سياسيًا من خلال احترام استقلالية الهيئة وولايتها الانسانية، أو لوجستيًا وماديًا إن كان من خلال توفير الموارد وهو موضوع شكل معاناة في السنوات الخمس التي سبقت حيث إن الهيئة لم تُعط مقر ولم يوفر لها الموارد البشرية العاملة والمتخصصة ولم تُوفر لها موازنة كافية لتنفيذ الخطة الاستراتيجية"، مشددًا على أن "التقدم في هذه الامور يؤدي الى تقدمًا أكثر سرعة في هذا الملف".
كما أكد أن "إحراز تقدم في قضية المفقودين مرتبط أيضًا بالتقدم المحرز إزاء ما تقوم به الجهة السورية في قضية المفقودين في سوريا بشكل عام، ومن ضمنها البحث عن الرفات، وهو ملف كبير جدًا"، مشيرًا الى أن "الاحاطة التي تبلورت مع تشكيل الهيئة الوطنية في سوريا هي إحاطة مبدئية على خطى سليمة وثابتة، لكن لا يزال هناك الكثير من التحديات والرهانات في هذا الموضوع، سياسيًا بدرجة معينة الا أن الجزء الاكبر يعود الى توفير الامكانيات والتقنيات والدعم".
وقال: "ينبغي أن نكون واقعيين، فنحن حريصون على طمأنة أهالي المفقودين بأن المسار صحيح وأن الهيئة تحافظ على الارث والانجاز الذي قام به أهالي المفقودين من خلال إقرار القانون الذي يرعى تشكيل هذه الهيئة، لكن في الوقت عينه يجب ان نكون أكثر حرصاً على إشراك الاهالي وإطلاعهم على المسار بكافة ايجابياته وسلبياته، وبواقعية مطلقة، بحيث أنه لا يجوز خلق آمال مبالغ بها لدى أهالي المفقودين، مما قد يرتد سلباً على معنوياتهم وعلى ثقتهم تجاه الهيئة".
تقديرات متفاوتة.. وأعداد تحتاج الى تحقق
أكد عاشور في حديث لـvdlnews أن "يجب ألا نفقد الامل بوجود أحياء من بين المفقودين اللبنانيين في سوريا، وبكون هذا الاحتمال ضعيف جدًا، لا سيما بعد أن أُفرِغت السجون والمعتقلات السورية، إن بوصلة العمل حاليًا هي البحث في المقابر الجماعية عن الرفات واستلامها والتحقق علميًا من الهويات، وهذه أيضًا مصلحة مشتركة بين لبنان وسوريا مع اختلاف حجم المصلحة".
ولفت الى أن "الاعداد الرسمية للمفقودين في سوريا لا تزال غائبة، كما هي غائبة بالنسبة للمفقودين في لبنان، والتقديرات متفاوتة، الا أن ارقام المفقودين في لبنان كبيرة بالطبع بالنسبة الى المفقودين في سوريا".
وأشار الى أن "الارقام التي تحدثت عنها بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية عن عدد المفقودين اللبنانيين في سوريا تحتاج الى تحقق وهو من مهام الهيئة وفقا لآليات ومعايير وبرامج علمية تتطلب الكثير من الامكانات والدعم والتعاون من قبل كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية".