"الهيئة الوطنية للمفقودين": قرار رسمي بالمماطلة
المصدر: المدن
عاصم بدر الدين
لا يزال أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، في لبنان، عالقين في آخر تطور أحرزوه في آذار من العام 2014، حين أصدر مجلس شورى الدولة قراراً نافذاً يُكرس حقهم بمعرفة مصير ذويهم والاطلاع على كامل وثائق التحقيق الذي أجرته الحكومة اللبنانية في هذا الشأن. لكن في الأساس كان مطلب آلاف العائلات المعنية بهذه القضية إنشاء "الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين والمخفيين قسراً"، التي يفترض بها التدقيق بهذه الملفات واستكمال عمليات التحقيق والكشف وتجميع البيانات، على ما يؤكد رئيس منظمة "سوليد" غازي عاد لـ"المدن".
وكانت المبادرة الأولى لانشاء هذه الهيئة قد أدرجت في اقتراح القانون الذي قدمه النائب حكمت ديب في العام 2012، ثم لاحقاً في اقتراح القانون الذي تقدم به النائبان غسان مخيبر وزياد القادري، في شهر نيسان من العام 2014، وحمل عنوان "قانون الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان"، قبل أن يُدمج الاقتراحان في صيغة موحدة في نيسان 2015، والذي يفترض أنّ لجنة حقوق الانسان النيابية تنظر فيها حالياً. على أن الواضح من السنوات المذكورة أعلاه مماطلة السلطات المعنية في اقرار القانون. وهو في مرحلته الأخيرة، التي تدخل بعد شهرين في سنتها الأولى، لم يدرس بعد بشكل تفصيلي من قبل لجنة حقوق الانسان، على ما يؤكد مخيبر لـ"المدن".
واذا كان مخيبر يؤكد أن "المناقشة الأولية كانت ايجابية، وفي المبدأ الجميع موافقون على أهمية القانون، لكن يجب أن ندخل في التفاصيل"، فإنه لا يحدد تاريخاً محدداً لمناقشته واقراره، بل يأمل أن "تكون قريباً". وهذا التأخير لا يبدو مستغرباً عند عاد، الذي يرى أن "السلطة لا تريد هذا الموضوع"، رغم تأكيده أن "مجرد وجود المشروع في مجلس النواب خطوة متقدمة في هذه القضية، لكنه تقدم بطيء، خصوصاً أن هذه الهيئة هي الحل".
والحال إن هذه المسألة منذ بروزها، في السنوات السابقة على اتفاق الطائف وما بعده، لم تكن مرة شغلاً تأخذه السلطات المعنية على محمل الجد. وهذا ما تشهد به اللجان التي أُلفت منذ العام 2000، ولم تنتج عملياً شيئاً يُذكر. لكن الضغط الذي مارسه المعنيون المباشرون بهذه المسألة، أي الأهالي، بالتعاون مع جمعيات ومبادرات محلية ودولية، هو ما كان يؤدي إلى هذا "التقدم البطيء"، الذي أشار إليه عاد. وآخر مبادرة في هذا الاتجاه، اصدار "المركز الدولي للعدالة الانتقالية"، في نهاية شهر كانون الثاني من العام 2016، دراسة بعنوان "المفقودون في لبنان: مُقترحات لانشاء الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين والمخفيين قسراً".
وتقترح هذه الدراسة السمات الأساسية والضرورية لانشاء الهيئة وتشغيلها، وتعرض المخطط التفصيلي لهيكلتها الداخلية، بناءاً على "استشارات أجريت مع خبراء قانونيين وماليين وتقنيين يتمتعون كلهم بخبرة ميدانية في لبنان، ومع موظفين اختصاصيين يعملون في هيئات مماثلة في الخارج، لا سيما لجنة المفقودين الناشطة في قبرص المجاورة للبنان". كما تعكس هذه "الاقتراحات والتوصيات الممارسات الدولية المثلى التي من شأنها أن تصل بالهيئة إلى الفعالية القصوى والمستدامة". وهذه الهيئة يتفرض بها "الكشف عن مصائر المفقودين والمخفيين قسراً، وتعيين أماكن المقابر ونبشها، بالإضافة إلى تحديد هويات المفقودين بشكل رسمي، وتحديد ظروف إخفائهم أو وفاتهم، وهذا ما يتطلب صلاحيات قانونية واسعة تضمن استقلاليتها على الأمد الطويل، على الصعيدين الاداري والمالي، وكذلك حمايتها من التدخل بأشكاله كافة".
على أن اصدار هذه الدراسة، ليس إلا "أداة تقنية أخرى لدفع هذه القضية إلى الأمام، وهي تأتي من ضمن سلسلة من الخطوات السابقة، أهمها وصول القانون إلى مجلس النواب"، على ما تقول لـ"المدن" مديرة "المركز الدولي للعدالة الانتقالية" في لبنان كارمن أبو جودة، وهي تقدم "تقنياً ما لا يعرفه النواب، بناءاً على خبرتنا وعملنا في هذا المجال". لكن أبو جودة تؤكد أن هذه المسألة تحتاج إلى "إرادة وقرار سياسيين، في موازاة الشغل التقني، أي العمل والتواصل مع الأحزاب التي كانت متورطة في الحرب، والتي لا يريد أهالي الضحايا محاسبتها، بل معرفة مصير أبنائهم".
غير أن هذا الحق، الذي يبدو تحصيله صعباً بما أن هناك من يرفضه، لا يخص أهالي الضحايا وحدهم، وفق أبو جودة، "بل يرتبط بحقوق المجتمع ككل، وذاكرته الجمعية واغلاق ملف الحرب. وهذا ما يحتاج إلى شجاعة، والعمل على توعية الناس. ذلك أن الملف، في ظل ما يمر به البلد، ليس أولوية، رغم المصالحات الجزئية التي تحصل وتقبل الناس لها".